هل فكّرتَ كيف تكون الطبيعة بدون طيور؟ ما هي المعاني التي تتأتى لك من ألوانها الحيَّة ونغماتها الجميلة؟ وسندع الحديث عن ألوانها الخلابة ونحصر البحث في ذكر أصواتها التي يتأثر بها كل إنسان.
كيف تُصْدِرُ الطيور الأصوات؟
الطيور لا تملك حَنْجَرةً كتلك التي يملكها الإنسان. بل تملك بدلاً منها ذلك العضو الذي يُسمى مِصفاراً «سِيْرِنْكِس – Syrinks». إن المِصفار يُوجد مُزْدَوجًا في أعماق صدر الطائر،
وفي المكان الذي تنقسم فيه القصبة الهوائية إلى شعبتين. إن العلماء يسعَون إلى معرفة الكيفية التي تعمل بها تلك الآلة الموسيقية العجيبة؛ وذلك بوضع كابلات بصرية فَيْبرِيَّة في القصبة الهوائية للطيور، ثم يضخون فيها غازي الهليوم والأوكسجين. أو يدفعونها إلى التغريد ومناقرها مفتوحة، ويُرَاقِبون ذلك بأشعّة إكْس وما فوق الأشعة الحمراء.
وبينما هم يستمعون لقطعة من المِصفَارَات، فإن قطعة أخرى قد تم تهيئتها لتُصدر صوتاً؛ فالطائر يُمكنه أن يُصدر صوتين مختلفين في آن واحد؛ لدرجة أنه يمكن أن يعمل «دُوِيتُو» أي ثنائي مع نفسه؛ فطيور الكاردينال يُمكنها أن تتبادل إغلاق شُعْبَتَي قصبتها الهوائية، بينما طائر الكناريا يمكنه أن يغرد من ناحية ويتنفس من الأخرى في نفس اللحظة، بينما طيور الزرزور قد خُلِقت بشكل يُمَكِّنها من أن تُصدر ثلاثين نوتة موسيقية مختلفة في كل ثانية.
إن تقليدَ صوتِ الإنسانِ أمر صعب للغاية؛ فالببغاوات وطيور المحبَّة وطائر الزَّقزاق كل منها صار ترجماناً لأسماء الله الحسنى مستخدماً تقنيات مختلفة قد أودعها الخالق فيها. فالببغاوات تختلف عن كثير من الطيور الأخرى، فلها كالإنسان ألسنة غليظة. هذا بالإضافة إلى أن القدرة الإلهية قد منحَت هذا الطائر القدرة على أن يُلوِّن صوته ويُحمِّله من المعاني المختلفة حتى وإن لم تتطابق مع ما هو لدى بني البشر. الطيور تُخرج من مِصْفَارَاتها أصواتاً بسيطة. ثم تقوم بتنويع وتشكيل هذا الصوت باستخدام الفم أي المنقار والقصبة الهوائية واللِّسان. أما أنواع طيور المحبة فيمكنها إصدار أصوات من مصفاراتها تبلغ ما بين 2-3 كيلو هرتز تردّدي، بالإضافة إلى أنه يُمكن إضافة اهتزازات خاصة أخرى إلى هذه الأصوات. هذه العملية تعتمد على النظام الذي تعتمد عليه الإذاعات والمعروف جيداً بنظام (A.M) وأُطلق عليه اسم التنغيم التردّدي. وما زالت طيور المحبَّة محتفظة بسر كيفية استخدام هذا النظام التردّدي.
كل الطيور تُصدر صوتـاً؛ ولكن ليس كل صوت أُغنية، فالغناء خاصية قد أودعها الخالق في مجموعة الطيور الصَّدَّاحة.
الرسائل التي تَحْملها أصوات الطيور
إن تغاريد كل طائر تحتوي على رسائل كثيرة؛ فمنها رسائل مودّة ورسائل تغذية أو دعوة لاجتماع أو إخطار عن مَهْلَكة أو توضيح منطقة تواجده. إن الطيور لا تستخدم كل هذه الرسائل جملة، ولكن لا بدّ وأن تستخدم واحدة من تلك الفئات على الأقلّ. وبعض الطيور رغم ظروف بيئتها المعيشية المختلفة يُمكنها أن تستخدم نفس النداءات. ومع هذا، فإن علماء الطّيور (Ornithologist) قد أثبتوا أن الطيور يُمكنها أن تُصدر صوتاً يحمل ما بين 5-15 رسالة مختلفة إلى بعضها البعض. وفي محاولة تَعَرُّف الآباء والأمهات والصغار على بعضهم البعض قد وُجِدَ أن تأثير الصـوت أقوى مـن الرؤية. فالديك الـرومـي الأصـمّ لا يـعرف صِغاره، كما أن الدجـاج لا يَسْتطيع أن يتعرف على كتاكيته أو أفراخه الصامتة.
وفي المقابل أنواع الطيور البليدة أنواعٌ تتكاثر بشكل جاليات أو تجمعات كبيرة، أو تجمّعات مُهَاجِرة؛ وفي المناطق التي تبني فيها أعشاشها تجيء وتمضي آلاف الطيور، وعلى الرغم من هذا الوسط والمناخ الضوضائي، فإن هذا الطائر يتعرف على أليفهِ من بين الآلاف من نفس جنسه فور أن يسمع تغريدة في واحدٍ على عشرة من الثانية من تغاريده. ووفقاً للأبحاث التي تَمَّت فلدى أفراد أنواع الطيور التي تتكاثر وتعيش في شكل مستعمرات أو تجمعات مهاجرة فإن الصغار يمكنها أن تتعرف على أَبَوَيْها بالصوت فقط. فالله سبحانه وتعالى كما خلق سماتها وأشكالها مختلفة، فإنه كذلك قد خلق أصواتها مختلفة ومتنوعة كدليل على قدرته. وهكذا قد أعطى الخالق دَوراً للأصوات في تنظيم حياة الإنسان وحياة المخلوقات ذوات الروح أيضاً.
إن الطيور منذ المراحل المبكّرة جداً من حياتها، حتى قبل أن تخرج من البيضة قد تم تجهيزها بالقدرة على إمكانية استخدام أصواتها؛ فمثلاً أفراخ طائر السُّمان تبدأ التخابر مع أُمهاتِها ومع بعضها البعض وهي ما زالت داخل البيضة. لهذا السبب؛ فإن الصغار تخرج من البيضة في وقت مُتَزامن. وفرخ البَجَع يُمكنه أن يُعْلِم أو يُشعِر أُمَّه إن كان داخل البيضة باردًا أو حارًّا.
أغاني الطيور
إن كل أُغنية من أغاني الطيور ذات لحن خاص بها. ولكل الموجودات أَلْسُنٌ يذكرون الله بها. وهذه اللغة أوضح ما تكون لدى الطيور. وبَيْنَما الطيور تُؤدي أذكارها من ناحية، فهي تُقَدِّم ترانيم الانشراح لبني البشر من ناحية أخرى.
إن أشهر الطيور المغرِّدة هو العندليب. ولقد قيل في حق هذا الطائر «ليس في العالم أي آلة موسيقية قط، يمكنها أن تعزف صوتاً جميلاً كذلك الصوت الذي يخرج من فم هذا الطائر». إن هذا الصوت الذي يصدر عن أجسادها الصغيرة لا يُصَدَّق. إن طير الشقراق الأوروبيّ يُمْكِنه أن يُغنِّي أُغنية تحتوي على 740 نغمةً موسيقية في فترة وجيزة تقل عن دقيقة، ويستطيع أن يُغرد بشكل يمكن سماعه من مسافة تزيد عن خمسمائة متر. وإذا ما تم مقارنة مقاييس الجسم الإنساني بهذه الطيور، فعلى الإنسان أن يُسْمِعَ صوته إلى مسافة تتراوح ما بين 6-8 كم. بعض الطيور، عملياً تغرّد دون توقف طوال موسم التكاثر. وطائر الكراز الأصفر الذي يعيش في أوروبا يُكَرِّر أُغنيته أكثر من 3000 مرة يومياً. وأَمَّا الأُخَيْضر؛ ذلك العصفور الأمريكي، الزيتوني اللَّون، صاحب العين الحمراء والمغني الجَيِّد، فلقد تم تسجيل تأديته لأُغنيته 22197 مرة في اليوم.
وبعض طيور الشقراق الصدَّاحة، يُمكنها حساب بُعد الصوت مُحَدِّدة النقطة التي تسمع منها هذا الصوت الصادر عن ذَكر آخر من نفس النوع، وتُقلل من قَدْرِه وفقاً واعتماداً على مصدر الصوت دون النظر إلى حجمه. إن الأبحاث حول طير الشقراق أثبتَت أن الإناث ترجح وتفضل الذكور الذين يُغنون أُغْنِيَةً في نسق لحني أكثر تعقيداً.